في غابة من الغابات الكبيرة كانت تعيش
عنزة مع جَدْيَيها الصغيرين في سعادة وسرور..
كانت الأم تذهب كل يوم إلى المرعى لتجلب
لصغيريها العشب والحليب، فيما يبقى الصغيران
في البيت يلعبان ويمرحان إلى حين عودة أمهما من المرعى..
وكان يعيش في هذه الغابة أيضاً ثعلب مكّار..
استمرت سعادة العنزة مع جدَييها إلى أن جاء يوم
جاع فيه الثعلب، ولم يجد ما يقتات به من الطعام،
فأخذ يفتّش في الغابة الكبيرة علّه يجد شيئاً يسكت به جوعه
وبينما هو يفتّش مرّ من تحت شباك بيت العنزات
فإذا به يسمع صوت العنزة الأم توصي صغارها
بعدم فتح الباب لأي أحد إلى أن يسمعوا صوتها هي وحدها فيفتحوا لها.
مدّ الثعلب رأسه بحذر شديد، فرأى جديين صغيرين جميلين
يهزان رأسيهما طوعاً لأمهما.. فسال لعابه عليهما
وأخذ يحلم بصيدهما وأكلهما.. وقال في نفسه:
سوف أنتظر ذهاب الأم وأقتحم البيت وآخذ الصغيرين..
انتظر الثعلب برهة من الزمن إلى أن ذهبت العنزة الأم
وأغلقت الباب خلفها، فاختبأ خلف شجرة كبيرة
وانتظر حتى غابت العنزة الأم عن عينيه، فقال والفرح يغمر قلبه:
الآن جاء دورك أيها الثعلب الذكي..
دقّ الثعلب على الباب، فردّ عليه أحد الصغيرين بصوته البريء:
من بالباب؟..
ردّ الثعلب بخبث:
- أنا أمكما.. افتحا الباب يا صغاري..
ولكن صوت الثعلب كان خشناً غليظاً،
فعرف الجدي أنه الثعلب الماكر فقال بغضب:
اذهب أيها الثعلب الماكر.. إن صوتك خشن
وأمّنا صوتها جميل وناعم..
حارَ الثعلب ماذا يفعل وكيف يجعل صوته ناعما
وبينما هو يعصر مخّه، تذكّر صديقه الدبّ فقال في نفسه:
سأذهب إلى صديقي الدبّ، وآخذ منه قليلاً من العسل، ليصير صوتي ناعماً.
انطلق الثعلب يجري ويجري إلى أن وصل إلى بيت الدبّ
فدقّ الباب، وجاءه صوت الدبّ من الداخل:
من يدقّ بابي في هذه الساعة؟..
قال الثعلب:
- أنا الثعلب يا صديقي الدب.. جئت أطلب منك شيئاً من العسل..
فتح الدب الباب وسأل الثعلب في استغراب:
ولماذا تريد العسل أيها الثعلب المكّار؟..
خطرت في رأس الثعلب فكرة فقال:
إنني مدعو اليوم إلى حفلة عرس
وسوف أغني هناك، وأريد أن يكون صوتي ناعماً وجميلاً..
ذهب الدب وأحضر كأساً من العسل وطلب من الثعلب أن يلعقه
فلَعَقَه الثعلب، وشكر للدبّ حُسن تعامله
ثم انطلق راجعاً إلى العنزات الصغيرات وكله أمل أن تنجح خطته، ويفوز بالعنزات..
طرق الثعلب الباب عدة طرقات خفيفات، وسمع صوت جَدْيٍ صغير يقول له:
من يدق الباب؟
سعل الثعلب ليجلو حنجرته وقال بصوت ناعم مقلداً صوت العنزة الأم:
افتحا الباب يا أحبائي.. أنا أمكما العنزة، وقد أحضرت لكما الطعام..
أسرع الجديان الصغيران وفتحا الباب
وإذا هما يريان الثعلب الماكر، أخذ الجديان الصغيران يركضان هنا وهناك
ولكن الثعلب كان أسرع منهما، فأمسكهما ووضعهما في الكيس
وانطلق مسرعاً إلى بيته فرحاً بما حصل عليه من صيد شهي..
بعد قليل جاءت العنزة الأم وهي تحمل الحشيش بقرنيها، وتختزن الحليب بثدييها،
وكانت تغني وترقص فرحة برجوعها إلى بيتها، وما إن اقتربت من البيت حتى رأت الباب مفتوحا
ووجدت البيت خالياً، فأخذت تنادي على صغيريها ولكن لا أحد يجيب
فجلست على الأرض تندب حظها وتبكي صغارها، وبعد أن هدأت قليلاً قالت في نفسها:
"إن البكاء لا يجدي، فلأذهب وأفتّش عن صغاري، وأظن السارق هو الثعلب الماكر".
أخذت العنزة تجري هنا وهناك، وتسأل كلّ من يصادفها
إلى أن اهتدت إلى بيت الثعلب، وفيما كان الثعلب
يستعدّ لأكل الجديين الصغيرين، سمع طرقاً عنيفاً على الباب فصاح:
- من الطارق؟..
فجاءه صوت العنزة الأم تقول:
- أنا العنزة الكبيرة، افتح وأعطني صغاري.
سمع الجديان صوت أمهما، وحاولا تخليص
أنفسهما من الكيس دون فائدة، فيما كان الثعلب يردّ على الأم:
- اذهبي أيتها العنزة، لن أعطيك أولادك، وافعلي ما شئت..
أجابت العنزة بقوة:
- إذن هيّا نتصارع، والفائز هو الذي يفوز بالصغار.
وافق الثعلب على هذا الاقتراح، وقال يحدّث نفسه:
"سوف أحتال على هذه العنزة الضعيفة
وأقضي عليها، ثم أجلس وآكل الصغار بهدوء".
خرج الثعلب من وكره، وتقابل الخصمان، وتعالى الصياح، وتناثر الغبار
وأخيراً انقشع الغبار، وقد تغلّبت العنزة على الثعلب وقضت عليه
بقرنيها الحادين وسقط على الأرض مضرَّجاً بدمائه.
أسرعت الأم إلى جَدْيَيْها، وفكّت رباطهما، ثم ضمتهما إلى ذراعيها
اتمنى الاستمتاع بالقصة